بائع الأمل

24/12/2024

Cover Image for بائع الأمل

كان البعض يلقبه بالساحر، وآخرون بالمنجم، وكان هناك من يعتقدون أنه نقي وقادر على رؤية ما لا يراه الآخرون. لكن في الحقيقة، لم يكن كذلك، بل كان أفضل من كل هذا بمراحل!

ذاع صيته كثيرًا بفضل ما قدمه من خدمات للبشرية، ولا أبالغ إذا قلت "البشرية". كانت خدماته بسيطة في ظاهرها، لكنها كانت مدهشة في جوهرها. كان كما يقولون "يضع يده على الجرح فيشفيه"، ولكنه كان أفضل من ذلك أيضًا؛ فقد كان يضع يده على الجرح فيرى متى سيصبح هذا الجرح مصدرًا للفرح. هذا العجوز ذو الشعر الأبيض المتناثر الذي بدا وكأن كل خصلة تحكي قصة، والظهر المنحني الذي أضاف إلى وجهه ملامح من الزمن، عينيه كانتا تشعان بالسلام رغم ما حملتهما من معاناة. كان حديثه هادئًا، وكأنه يهمس بأسرار الحياة إلى كل من حوله.

كان العجوز مصدرًا من مصادر السعادة التي حلت على البشرية. لقد كان مثل المُذنب الذي يظهر مرة كل مئة عام، وعندما يراه الناس، يتسارعون لاختيار أمنية واحدة ليحققها لهم. كانت يده بمثابة الأمل للبشرية، والأمل بالنسبة للبشرية هو الهواء الذي يجب أن يستنشقوه كل يوم؛ ليعرفوا كيف يعيشوا. عندما كان يضع يده على وجه أو يد أحدهم، كان يخبره تلقائيًا أن حياته ستصبح كما يريد أو أفضل في سنة معينة، مما يمنح الناس العزيمة لتكملة حياتهم وهم مُتسلحون بالأمل.

انتشرت الأحاديث عنه في تلك الفترة، كما انتشر الحديث عن روتينه اليومي. كان ينزل من منزله ويجوب المناطق المختلفة، يبحث في وجوه الناس عن حزن وألم الحياة البادي عليهم، ومن ثم يضع يده على وجوههم، يغلق عينيه ويخبرهم بما أصابهم من ألم وطريقة علاجه، ويحدد السنة التي سيتغير فيها حالهم للأفضل. اندهش الناس وتساءلوا: كيف كان يعرف سبب همومهم دون أن يتحدثوا؟ هل عيونهم المحملة بالحزن تفضحهم؟ كان العجوز يخبر الناس بأمور لا يعرفها أحد غيرهم، حتى أقرب الناس إليهم لا يعرفونها. كان يعرف أن هذا الفتى يريد الزواج، وهذا يريد أن يتعلم لكنه فاقد الشغف، وهذا ضميره يؤنبه لقلة عمله وجلوسه على المقاهي، وآخر يتمنى أن يصبح شيئًا كبيرًا ذا قيمة ولكنه دائمًا ما يتكاسل... وهكذا.

حتى أصبح الحديث عنه يشغل الجميع في موطنه، بل في العالم كله. وقد أدى ذلك إلى استضافته في القنوات وظهوره في العديد من الفعاليات، بل استقبله رئيس البلاد نفسه! كان الجميع يتساءل: كيف لهذا العجوز أن يعرف هذه الأسرار؟ كيف يمكن ليديه أن تحمل هذا القدر من السحر؟ كانت الإجابة دائمًا غامضة: "الأمل هو ما تحمله يداه."

لكن، كما هو الحال مع كل شيء، لم يستمر الوضع على حاله. بعد شهرين من بداية ظهوره، توفي العجوز، فحزنت البلاد كلها لفقدانه. لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما ظهرت وصيته، التي كان مكتوبًا فيها:

(يجب عليكم زيارة قبري بعد عشر سنوات من الآن، وحينها ستعرفون سر الهبة التي امتلكتها. ولكن ليس قبل هذا الميعاد، حتى لا يضيع عليكم السر.)

ومع مرور الأعوام، تطور موطن العجوز بشكل كبير. أصبحت دولته من الدول المنتجة والمكتفية ذاتيًا، وتقدمت بشكل ملحوظ، حتى رئيس البلاد أصبح أحد أفضل من حكموا في تاريخها. انتظرت الأمة بأسرها، بل وعشرات الدول الأخرى، لاكتشاف سر هذا المُلهم. وفي اليوم المنتظر، تجمع الناس وذهبوا إلى القبر، فاستخرجوا الرسالة وكان محتواها كما يلي:

(من المفترض الآن أنكم قد حققتم مرادي. في البداية أريد أن أعتذر لكم عن الكذب الذي بدر مني. أنا لست نقيًا، أو مباركًا، أو شيئًا استثنائيًا. أنا مجرد إنسان مثلكم، من لحم ودم وأخطاء أيضًا. قبل أن أنزل بينكم، كنت قد علمت من طبيبي أنني في مرحلة متأخرة من مرض السرطان وأنني سأموت قريبًا. أردت أن أترك شيئًا يحدث تغييرًا في حياتكم، لذا قدمت لكم فكرة واحدة: الأمل. وأنتم من أكملتم الباقي بعزيمتكم وإصراركم. لم أكن أعرف همومكم كما تعتقدون، بل كنت أجلس بالقرب منكم، أستمع إلى همومكم وأنتم تتحدثون، دون أن تعلموا أنني أستمع. وبعدها كنت أخبركم بما يعكر صفوكم، وأحثكم على العمل الجاد، وأخبركم أن في السنة المعينة سيتحقق مرادكم. لقد صدقتموني بالفعل! لقد بعت لكم وهم الزمن، لكنكم أنتم من جعلتموه حقيقة بفضل عزيمتكم. جعلت كل عاطل يطمح في العمل، وكل من يريد شيئًا أن يسعى لتحقيقه، وفي النهاية سيتحقق. حتى رئيس البلاد أخبرته أنه إذا حكم بالعدل لمدة خمس سنوات، سيصبح أفضل رئيس في تاريخ البشرية. وأعتقد أنكم الآن قد أصبحتم أمة متقدمة، تعمل وتجتهد لتحقيق مرادها. سامحوني، ولا تقولوا عني كاذبًا، بل قولوا: "بائع الأمل قد مر من هنا".)