أرجوكِ
17/01/2025
"العناية المركزة"
وقع نظره عليها وهو جالس على كرسي المشفى البارد، وقدمه تهتز بسرعة كبيرة، وعينه يفيض منها الدمع كلما تذكر ما حدث منذ أقل من ساعة. لا يستطيع فهم كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد. لقد كان جدال مثل أي جدال مروا به، كيف تطور بهم الأمر ليصل إلى المشفى!
نظر أمامه، ثم خفض رأسه حتى كادت تلاصق قدماه، وهو يبكي ويضرب بكلتا يديه وجهه ويكتم أنينه. ظل على هذه الحال لمدة قليلة من الوقت، ثم سيطر على نفسه وأراح ظهره على الكرسي، ورفع رأسه لسقف المشفى الأبيض وهو شاخص بصره للمصباح الفلورسنت، الذي يخُفت ضوئه تارة ويعلوا تارة آخرى، ومن ثم أطبق جفنيه على عينيه وأخذ يتذكر آخر ما حدث.
بداخل غرفة صغيرة غير مرتبة بتاتًا، نجد شخصًا يبحث في كل شبر من الغرفة: بداخل مكتبه وأدراجه، أسفل فراشه، بداخل خزانته، ولكنه لا يجد ما يريد، يضرب رأسه بكلتا يديه وهو يبحث، ولكنه لا يصل إلى ضالته أبدًا.
"هل تبحث عن هذه يا بني؟"
نظر رابح خلفه بسرعة، ليجد أمه ممسكه بقطعة مخدرة وعينيها تفيض من الدمع، وهي تحاول أن تمارس الصرامة أمامة. ليباغتها سريعاً دون النظر لوجهها:
"ك ك كييف حصلتِ عليها؟"
"هل هذا ما يهمك؟"
" ارجوكِ يا أمي أعطيها لي"
قالها وهو يقترب، لتصرخ به أمه مسرعة:
"قف مكانك! لن تحصل على شيء ابدًا مني، ماذا حدث لك وكيف وصلت لهذه المرحلة؟!"
"أرجوكِ يا أمي أعطيها لي، وأعدك أني لن ألْتَجِئ للمخدرات مجددًا، هذه نكسة صغيرة، أعطيها لي، إن جسدي يأكلني لا أقدر"
واقترب منها أكثر وهي تصرخ به:
"توقف قلت لك"
ليصرخ وهو يضرب رأسه ويقترب منها؛ ليدفعها ويأخد منها القطعة المخدرة، ولكن سرعان ما نظر خلفه وقال:
"أمي..."
ولكنه بُهت حين رأى بقعة الدم التي تكونت خلف رأسها وهي ملقاة على الأرض، وأدرك أن رأس والدته ارتطم بقطعة الرخام البارزة من الكمود، وسقطت تنزف، وهو ناظر لها غير مستوعب ما حدث. وبصوت خافت يردد:
"أمي أمي....."
عاد له وعيه مرة آخرى بالمشفى، ليجد بجانبه سيدة في مرحلة الكهولة؛ وهي كبيرة الممرضين بالمشفى، جالسة تُربت على ظهره وهي تقول :
"يابني لا تحرق روحك أكثر من هذا وتقبل الحقيقة، لقد رحلت أمك منذ أسبوع، ودُفنت! مجيئك لهنا في نفس وقت الأسبوع الماضي لن يكون له فائدة، ولن يُغير الحقيقة!"